على نحو مماثل لمقابر جماعية سابقة تم الكشف عنها خلال الأشهر الماضية، شرقي الفلوجة وصدر اليوسفية جنوبي بغداد، والمحاويل شمالي الحلة بمحافظة بابل، ورابعة إلى الجنوب من مدينة الموصل، عُثر على مقبرة جماعية جديدة في منطقة جالي ضمن بلدة الإسحاقي جنوبي تكريت، جرى اكتشافها من قبل السكان المحليين في المنطقة.
وأجرى “مرصد أفاد” على مدى اليومين الماضيين اتصالات مكثفة مع زعامات عشائرية وشخصيات من سكان المنطقة أحدهم شاهد عيان، فضلا عن مسؤول في جهاز الشرطة العراقية ضمن قيادة شرطة صلاح الدين في تكريت للتأكد من تفاصيل الحادث بشكل أدق ويود أن يبين جملة من الحقائق حول القضية:
في الحادي عشر من يناير الحالي، رُصِدت عظام بشرية وعدة جماجم عليها ثقوب وعظام أضلاع، ظهرت بفعل عوامل التعرية والأمطار الأخيرة إلى جانب ملابس مدنية منها فردة حذاء رياضي قياس 36 بما يظهر أن أحد الضحايا بعمر لا يتجاوز 16 عاما، إضافة الى دشداشة عربية وشماغ أحمر وبجامة رياضية.
وبعد إبلاغ الأهالي قامت قوة من مركز شرطة الإسحاقي بقيادة (الرائد محمد) بمعاينة المكان وبعد التأكد من أن رفات الضحايا يشير إلى أنهم مدنيون. تمت مخاطبة مؤسسة الشهداء والقضاء في المحافظة إضافة إلى إخطار وزارة الداخلية التي أمرت بغلق المكان ومنع تجمع الأهالي حوله من الذين تم اختطاف ذويهم على يد مليشيات مسلحة خلال عمليات طرد مسلحي “داعش”، من المحافظة.
تبين لاحقا أن المقبرة عبارة عن حفرة كبيرة تم إنشاؤها بواسطة جرافات (شفل) ويظهر ذلك من أسنان الجرافة في المكان حيث جرى قتل الضحايا ورميهم في مكان واحد ثم دفنوا، ويقدر عدد من فيها بالعشرات.
تظهر معلومات وجود مقابر مماثلة في مناطق مجاورة للمقبرة المكتشفة بمنطقة جالي، التابعة لبلدة الإسحاقي، وهي مناطق: مقاطعة 12 والجكسرية وكشكرية وسيد غريب والفرحاتية.
جميع هذه المناطق كانت عبارة عن خطوط خلفية لفصائل مسلحة ضمن “الحشد الشعبي”، أبرزها كتائب حزب الله وبدر وسيد الشهداء وجند الإمام والنجباء، وسرايا السلام وتحديدا منطقة جالي ما يؤكد أن الضحايا تم تصفيتهم من قبل المليشيات الماسكة للأرض خلال عملية اعتراضها المواطنين الفارين من المعارك على غرار جرائم الصقلاوية والشرقاط والرزازة وبزيبز التي شهدت جرائم تطهير طائفية جماعية من قبل مليشيات ضمن “الحشد الشعبي”.
تؤكد ثلاث إفادات لأهالي المنطقة أن المختطفين من أهالي الإسحاقي ومكيشيفة والدور وسيد غريب وبلدات أخرى تم اقتيادهم من قبل مسلحي الحشد الشعبي على شكل أفواج كبيرة كما في بلدة الإسحاقي 1200 شخص والدور 290 شخصا وتكريت 500 شخص وحصل ذلك بوجود قوات الأمن العراقية عام 2015 وعلى فترات متقاربة ولم يظهر لهم أي أثر منذ ذلك الوقت.
بدوره أبلغ المتحدث باسم مجلس عشائر صلاح الدين الشيخ طامي المجمعي مرصد أفاد، بأن المنطقة التي عثر فيها على هذه المقبرة خاضعة لما يعرف بالفصائل الولائية، مؤكدا أن قوات الأمن وبعد التأكد من أن الضحايا مدنيّون، أغلقت المكان ومنعت الوصول إليه، مطالبا بالتحرك لعدم المماطلة في فتح المقبرة ومعربا بالوقت ذاته عن خشيته من أن تتحول قضية المقابر الجماعية التي تتورط بها المليشيات إلى ملف سياسي بدلا من أن يكون إنسانيا وحقوقيا.
مشددا على أن المناطق التي تقع فيها المقابر الأخرى غير المفتوحة تسيطر عليها مليشيات منذ سنوات ولها أنشطة تهريب من تلك الآبار، لذا لا تسمح لأحد بدخولها.
يطالب “مرصد أفاد” بعثة الأمم المتحدة في العراق التخلي عن سياسة التمييز في التعامل مع القضايا الإنسانية والحقوقية في العراق، وأن تتابع ملف المقابر الجماعية بالمناطق ذات الأغلبية السنية، التي تعرضت لإرهاب مزودج من مسلحي داعش ومسلحي المليشيات بدوافع طائفية، كونها لا تقل أهمية عن ملفات حقوقية تتعلق بالتظاهرات أو بنازحي سهل نينوى مثلا.
كما يدعو المرصد رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي إلى عدم تشكيل لجنة تحقيقية في الحادثة على غرار اللجان التخديرية السابقة، والإيعاز إلى مؤسسة الشهداء ووزارتي الصحة والداخلية بفتح المقبرة والمقابر المجاورة والبدء بأخذ عينات (الدي أن أي) على غرار مقابر الضحايا الأيزيديين وسبايكر على سبيل المثال وأن المماطلة تعني تورطا بدوافع طائفية في التستر على مثل هذه الجرائم.
كما يدعو المرصد أهالي محافظة صلاح الدين للضغط على ممثليهم في البرلمان بعدم تحويل ملف المختطفين والمغيبين على يد المليشيات والمقابر الجماعية لورقة سياسية يستخدمونها بالمساومات والصفقات في بغداد.
لايوجد تعليقات