استنزاف مستمر للناشطين ومماطلة بكشف الحقائق

للشهر الثاني على التوالي تتصاعد عمليات التهديد التي تطال الناشطين والمدونين العراقيين في مدن جنوب ووسط البلاد، وتحديدا في الناصرية والديوانية والبصرة والنجف، فضلا عن العاصمة بغداد ما وثّق عمليات مغادرة جديدة للناشطين والمشاركين في التظاهرات جرى قسم منها بتشجيع من قبل ذويهم، إلى مدن أخرى كان أغلبها نحو إقليم كردستان العراق، وسط صمت حكومي مطبق وحالة من التفرج تمارسها القوات الأمنية في تلك المدن إزاء ما يتعرض له الناشطون من تصفيات ووسائل ترهيب أخرى يبدو أنها تهدف لدفعهم إلى التخلي عن الحراك السلمي المطالب بالإصلاحات.

ومنذ منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ولغاية اليوم، وثق “مرصد أفاد” بالتعاون مع ناشطين في عدة مدن جنوبي البلاد، فضلا عن مسؤول أمني رفيع في قيادة عمليات سومر، تفجير 26 عبوة بين ناسفة وصوتية على منازل ناشطين في مدن عدة، احتلت الناصرية وميسان والبصرة الصدارة فيها، أسفرت جميعها عن خسائر مادية بمنازل وسيارات للناشطين أو أسرهم، باستثناء هجومين أسفرا عن إصابات في أفراد أسرتين لناشطين في الناصرية والبصرة بينهم طفلة في الثامنة من العمر، كما تم توثيق تهديدات لما لا يقل عن 80 ناشطا ومدونا على منصتي “فيسبوك”، و”تويتر”، بمدن مختلفة من البلاد تصدرتها العاصمة بغداد، وتلقوها عبر هواتفهم الشخصية أو حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي برسائل نصية، أو عبر قنوات على تطبيق “تلغرام”، يظهر أنها مقربة من فصائل مسلحة نافذة في البلاد، ما اضطر كثيرا منهم لمغادرة المدن إلى مناطق أخرى، وأن قسما منهم نشر اعتذارا وحذف ما كتبه من رأي وآخرين ادعوا أن حساباتهم الشخصية قد تم اختراقها.

وثق المرصد اعتقال الأمن العراقي عشرات الناشطين والمتظاهرين في الفترة ذاتها التي تقارب الشهرين أو أكثر بقليل، تم إطلاق سراح معظمهم وقد تعرض بعضهم للتعذيب بالضرب ومحاولة انتزاع اعترافات وتنكيل عبر الإهانات اللفظية الجنسية التي تتنافى مع قيم وأخلاق المجتمع العراقي وما يفترض أن تكون عليه أجهزة الأمن الوطنية.

وأكد عدد منهم في أحاديث تم تسجيلها بعد أخذ موافقتهم المسبقة عبر الهاتف مع “مرصد أفاد”، ومن مقر إقامتهم في أربيل والسليمانية واثنين آخرين تحدثوا من مدينة إسطنبول في تركيا، أنهم تعرضوا للتعذيب والضرب وتهم العمالة للولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل والسعودية وقال أحدهم أن السيد قاسم الأعرجي مستشار الأمن الوطني، زار المكان الذي كانوا معتقلين فيه وكان على علم بعمليات الترهيب للناشطين وذلك قبيل يوم واحد من إزالة خيام المعتصمين في ساحة الحبوبي في الثالث عشر من ديسمبر الماضي.

وعلى مستوى الهجمات التي أفضت إلى استشهاد ناشطين فقد تم تسجيل 3 عمليات اغتيال في بغداد وجنوبي البلاد بالفترة ذاتها، اثنان منها في بغداد، كما تم توثيق 6 محاولات اغتيال وقعت في بغداد جانب الرصافة والبصرة والنجف والناصرية، جميعها لناشطين مدنيين ضمن الحراك المطالب بالإصلاحات في البلاد.

وبتقديرات أولية فقد بلغ عدد من اضطر لمغادرة مدنهم بفعل التهديدات بين 2 ديسمبر الماضي ولغاية الآن أكثر من 100 ناشط مدني ومدون إضافة إلى عدة صحفيين انتقلوا إلى بلدات في إقليم كردستان أبرزها أربيل والسليمانية، فضلا عن مدينة إسطنبول في تركيا، وذلك بفعل تهديدات تلقوها أجبرتهم على الفرار بحثا عن الأمن من مطاردة الفصائل المسلحة لهم أو مضايقة قوات الأمن التي تعجز بالوقت نفسه عن حمايتهم من تهديدات المليشيات ذاتها. وتتربع بحسب الناشطين جماعات “كتائب حزب الله”، و”النجباء”، و”العصائب”، وأتباع رجل الدين العراقي السيد مقتدى الصدر، صدارة الجماعات المسلحة التي تطارد الناشطين والمدونين وتستهدفهم بالقتل أو الترهيب فقط.

يطالب مرصد أفاد الحكومة العراقية في بغداد بالوقوف على حقيقة إفادات التعذيب والإهانة في سجون الناصرية بمحافظة ذي قار وسجن المعقل في مدينة البصرة وسجن التسفيرات بمدينة الحلة مركز محافظة بابل وسجن مركز تحقيقات شرطة النجف الأشرف، إذ تعرض ناشطون مدنيون في المواقع الأربعة لعمليات تعذيب فُهِمَت أنها رسائل لكل صوت معارض للنظام السياسي الحالي في البلاد.

يلفت “مرصد أفاد” الانتباه إلى أن التوجيهات الصادرة عن مكتب رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، في الثاني والعشرين من أكتوبر 2019، ما تزال نافذة لدى وزارتي الصحة والداخلية، رغم استقالة الحكومة وتشكيل السيد مصطفى الكاظمي حكومته الجديدة، إذ ترفض الوزارتين الإفصاح عن الأعداد الحقيقية للضحايا العراقيين الذين استشهدوا في التظاهرات التي عمت مدن جنوب ووسط البلاد والعاصمة بغداد، منذ مطلع أكتوبر 2019 ولغاية نهاية ديسمبر الماضي، وذلك بدعوى وجود أوامر حكومية سابقة تتعلق بذلك وهو ما يفتح الباب واسعا أمام حقيقة إعلانات حكومة السيد مصطفى الكاظمي العمل بشفافية للكشف عن قتلة المتظاهرين والمتورطين بجرائم اغتيال وخطف الناشطين.

وأبلغ مسؤول في مكتب وزير الصحة العراقي ممثل مرصد “أفاد”، في العاصمة بغداد بأن التعليمات ما تزال نافذة بشأن منع الإدلاء بأي معلومات تتعلق بعدد الضحايا والجرحى، لكنه أكد بالوقت ذاته امتلاك الوزارة ما وصفه “بالتصور الكافي لأعداد الضحايا في عموم العراق”.

وتحدث المسؤول عن ارتفاع جديد في حصيلة ضحايا التظاهرات والحراك الشعبي في العراق، بعد الهجوم الدامي الذي نفذه أنصار رجل الدين السيد مقتدى الصدر على ساحة الحبوبي نهاية نوفمبر الماضي، والذي خلف في حصيلة نهائية 11 شهيدا ونحو 90 جريحا.

مؤكدا أن العدد تجاوز عتبة الـ 762 متظاهرا أصغرهم فتى في الرابعة عشرة من العمر سقط في الأيام الأولى للتظاهرات بالعاصمة بغداد، كما جرى تسجيل إصابة نحو 27 ألف متظاهر غالبيتهم إصابات متوسطة وبسيطة لكن هناك ما لا يقل عن 900 متظاهر سترافقهم إعاقات دائمة وتشوهات ومشاكل صحية مدى الحياة لكنها بدرجات متفاوتة، وتتصدر بغداد والناصرية والبصرة الضحايا.

وبالوقت الذي يعرب فيه “مرصد أفاد” عن إدانته لمماطلة حكومة الكاظمي في تنفيذ قرار اعتبار ضحايا التظاهرات شهداء، كما وعد بوقت سابق نهاية العام الماضي، وصرف مرتبات شهرية لذويهم وتعويضات مشروعة ولازمة على الحكومة، فإنه يُذكّر بضرورة مساعدة الجرحى خاصة من أصحاب الإعاقات والمشاكل التي تسببت بها قنابل الدخان والرصاص الحي والمطاطي، ويسجل مرصد “أفاد”، هنا تقديره واعتزازه بتلاحم الشعب العراقي وإنسانيته في التفاعل مع حملات التبرع التي انطلقت على منصات التواصل لمساعدة قسم من جرحى التظاهرات في دول خارج البلاد، بعد إن تنصلت السلطات عن ذلك.

إن استمرار مماطلة الحكومة في تسويف ملف تقديم المتورطين بقتل المتظاهرين إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل يمثل واحدة من أبرز صور تخليها عن وعودها السابقة في ملاحقة المتورطين بالجريمة من أفراد الأمن أو الجماعات شبه العسكرية التي شاركت في خط القمع بالأشهر الأولى للتظاهرات.

وهنا يلفت مرصد “أفاد” إلى تسلمه معلومات من لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، تؤكد أن السلطات لم تستدع لغاية الآن من وردت أسماؤهم في مجازر مروعة حصلت بحق المتظاهرين مثل مقتلة المتظاهرين قرب “مول النخيل”، في بغداد بتاريخ 5/10/ 2019، وما تلاه من جرائم قنص المتظاهرين وقتل 11 منهم قرب مستشفى “الجملة العصبية”، وجريمة قتل 19 متظاهر على طريق “محمد القاسم”، جنوبي العاصمة، ومجزرتي السنك والخلاني ومجزرة شارع الرشيد عدا عن مجازر أخرى ارتكبت جنوبي البلاد منها على سبيل التذكير لا الحصر، فاجعة الزيتون في الناصرية ثم اعتداءات شارع البهو والمحافظة وساحة الحبوبي التي راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى وأحداث مجسر ثورة العشرين ومرقد الحكيم في النجف، والاعتداء الدامي في فلكة البحرية بالبصرة، وجريمة قتل المتظاهرين في ساحة التربية بكربلاء وقتل المتظاهرين في الحلة، وفتح مكتب يتبع فصيلا مسلحا النار على متظاهري البصرة الذي خلف عشرات القتلى والجرحى، وحادث مماثل لذلك في الديوانية، ومجازر أخرى تم في كل واحدة منها تشكيل لجان تحقيق إلا أنه لم ينتج عنها ما ينصف الضحايا أو يحدد هوية المجرمين ولا نتحدث هنا عن جرائم قتل فردية بل كلها كانت جماعية واستغرق قسم منها أكثر من ساعة.

ويكشف هنا “مرصد أفاد”، عن مغادرة الجنرال المطلوب للقضاء العراقي، جميل الشمري البلاد إلى دولة مجاورة، رغم وجود مذكرة إلقاء قبض فورية صادرة بحقه من القضاء العراقي في مدينة الناصرية العاصمة المحلية لمحافظة ذي قار تحت مزاعم العلاج ومن ثم عودته مرة أخرى للعراق عبر مطار بغداد، ثم ظهوره مؤخرا في حفل سياسي في محافظة ديالى للتكريم رغم الاتهامات التي وجهت له بالمسؤولية عن مقتل عشرات المتظاهرين في محافظة الناصرية جنوبي العراق، وهنا يطالب المرصد حكومة السيد الكاظمي لتوضيح موقفه والإجابة على تساؤلات ذوي الضحايا المتظاهرين العزل الذين تم قتلهم، للعلم أن الجنرال الشمري ما يزال في مسماه العسكري الوظيفي ويتسلم كافة امتيازاته وحقوقه.

إن مرور قرابة التسعة أشهر على تسلم السيد الكاظمي زمام السلطة في البلاد، ومع توثيق 11 إعلانا رسميا بين بيان ومؤتمر صحفي ولقاءات عامة يؤكد خلالها تمسكه بمحاكمة قتلة المتظاهرين والكشف عن هويتهم ورعاية المتظاهرين دون أن يتحقق أي من ذلك يشير إلى وجود تنصل واضح من قبل الحكومة بكافة أركانها والقوى السياسية، فضلا عن الجهاز القضائي في البلاد في تحقيق العدالة والإيفاء بوعودهم التي قطعوها بشأن إنصاف الضحايا ومعاقبة قتلتهم.

يطالب “مرصد أفاد” الحكومة العراقية ومجلس القضاء الأعلى، بحفظ حياة الناشطين المطالبين بالإصلاحات ووقف التعرض لهم من قبل الأجهزة الأمنية والجماعات المسلحة الأخرى، ويذكر بأن البلاد تكاد تخلو من أي نشاط معارض سلمي بفعل النهج القمعي للأصوات المطالبة بالإصلاحات في البلاد.

عن الكاتب

Castle
editor

لايوجد تعليقات

أكتب تعليق

Skip to content