السرطان في البصرة إنذار أخير قبل الكارثة

السرطان في البصرة إنذار أخير قبل الكارثة

في الوقت الذي يُحمّل فيه مرصد “أفاد” السلطات العراقية في بغداد مسؤولية قرارها السابق بمنع المسؤولين المحليين في القطاعين الصحي والبيئي بمحافظة البصرة من التصريح أو الكشف عن الأرقام المتصاعدة والمخيفة لمرضى السرطان في المحافظة وخاصة بين الأطفال والنساء (سرطان الثدي والرحم والدم) فإنه يحذر من كارثية الأوضاع في المحافظة التي تختنق بمشاكل كثيرة ناجمة عن تفشي الفساد ونفوذ الجماعات المسلحة فيها.

على مدى الشهرين الماضيين أجرى فريق بحثي في مرصد “أفاد”، إلى جانب متطوعين متعاونين مع المرصد، سلسلة من المقابلات والاتصالات الهاتفية والزيارات الميدانية بمحافظة البصرة شملت مناطق العشّار، شط العرب، الزبير، الهارثة، التنومة، الرميلة، البرجسية، القرنة، الفاو والحيانية جنوب وغرب وشمال ووسط البصرة، تم خلالها جمع عدد من الإفادات والمعلومات المتعلقة بوضع المحافظة الصحي وتحديدا فيما يتعلق بكارثة السرطان الآخذة في الارتفاع في ظل غياب أي حلول حكومية واقعية للمشكلة بما فيها تخلّف المستشفيات والمراكز المتخصصة بالسرطان وترك المواطنين أمام خيارات صعبة من بينها بيع مقتنياتهم للعلاج في إيران والهند ومستشفيات في لبنان والأردن أو مواجهة الموت في مستشفيات تفتقر للشراشف النظيفة تحت أجساد المرضى.

تشير التقارير غير الرسمية المتحصلة من دائرة صحة المحافظة المطلة على مياه الخليج العربي أقصى جنوبي العراق، إلى تسجيل أكثر من 700 حالة إصابة بالسرطان في شهر تموز/ يوليو الماضي، وفي شهر حزيران/ يونيو، تم تسجيل قرابة 800 حالة سرطان غالبيتها تتعلق بسرطان الثدي والرحم والقولون والرئة والدم (اللوكيميا) الذي بدا لافتا تسجيله بين الأطفال أكثر من غيرهم.
وأبلغ مسؤول محلي يعمل بديوان محافظة البصرة مرصد “أفاد” بأن مستشفيات المحافظة تحتاج لزيادة عدد الأسرّة وليس هناك عدد كاف من الأطباء والمتخصصين لمواجهة الارتفاع الجديد بحالات السرطان، كما أن أغلب العاملين الحاليين يفتقرون للتدريب والخبرة الكافية للتعامل مع المرضى سيما الأطفال والنساء ومنها التعامل النفسي مع ضحايا المرض.

متحدثا عن عمليات تسريب للأدوية والأمصال الخاصة التي تصل من بغداد لتباع فيما بعد أو يقوم مسؤولون بإخفائها ومنحها لمن يقدم لهم هدايا أو منحا مالية (رشوة)، ويشرح بأن الضحايا لهذا الفساد عادة ما يكونون الطبقة الفقيرة إذ أن الميسورين في البصرة لا يتعالجون في مستشفياتها بما فيهم زوجة عضو في البرلمان عن محافظة البصرة وشقيقة زعيم سياسي بارز في المحافظة تم نقلهم إلى دولة مجاورة للعلاج مؤخرا.

وتظهر ما يمكن اعتبارها ارتباطا وثيقا بين ضحايا المرض ومناطق سكنهم قرب نقاط سبق وأن تم تسجيلها كمناطق تلوث بيئي بفعل القصف الجوي الذي تعرضت له المدينة في حرب الخليج الأولى عام 1991، وحرب احتلال العراق عام 2003، أو بسبب وقوعها قرب مصاف ومنشآت نفطية مصنفة ضمن أعلى انبعاثات التلوث على مستوى المنطقة، لذا تحتل الزبير المنطقة الأولى في معدلات الإصابة بالمرض.

وأبلغ مسؤول قسم العلاج النفسي في مستشفى الطفل بمدينة البصرة، السيد أكرم الصافي، مرصد “أفاد”، بأن “الإصابات بالسرطان لا تتوقف عن الارتفاع في عموم مدن ومناطق البصرة”. متحدثا عن “غيمة سوداء تُغلف أجواء المحافظة بسبب مخلفات عمليات تكرير النفط وهو ما جعل البصرة تعد الأولى في العراق من ناحية ارتفاع أعداد المصابين بالسرطان، وقد بلغ الوضع خطورة إلى درجة تسجيل أطفال لا تتجاوز أعمارهم 6 أشهر كمصابين بالسرطان”.
من جانبه يؤكد مدير مكتب مفوضية حقوق الإنسان في البصرة مهدي التميمي، الأوضاع الصحية بالمحافظة بأن “وزارة الصحة تتعمد إخفاء أعداد المصابين بالسرطان في البصرة، منذ سنوات، كما أن دائرة صحة البصرة لا تتعاون مع الإعلام ولا معنا كمفوضية في هذا الجانب، ولا نعرف الأسباب، لكن يبدو أن الأسباب سياسية ومرتبطة بالشركات العاملة بمجالات النفط والطاقة التي تستفيد منها الحكومة. مع العلم أن البصرة تشهد كارثة حقيقية”.

وعن الأرقام وما تتوصل إليه المفوضية، يؤكد التميمي، أن “الأعوام 2016 و2017 كانت البصرة تسجل خلالها نحو 600 حالة إصابة بالسرطان شهرياً، لكن في عام 2019 سجلت البصرة نحو 800 إصابة بالشهر الواحد، ونتوقع أن تصل أعداد المصابين بالسرطان في المحافظة إلى 1500 حالة شهرياً حتى عام 2025”.

ويلفت إلى أن “السلطات الصحية سواءً المحلية في البصرة، أو الاتحادية ببغداد تبرر هذه الأعداد على أنها تشمل مصابين من البصرة ومناطق جنوبية أخرى، لكن هذا التبرير لا أدلة عليه، حيث أن نسخ السجلات التي يتم التوصل إليها لا تحتوي على أسماء محافظات عدا البصرة”، مشيراً إلى أن “شريحة النساء هي المتضرر الأكبر، ثم الرجال والأطفال”. ويضيف أن “مناطق في شمال البصرة والهوير سجلت إصابة أطفال حديثي الولادة بالسرطان، بسبب الغازات المنبعثة والمحترقة”.

يدعو مرصد “أفاد” الحكومة العراقية والدوائر المعنية إلى تشكيل خلية أزمة متخصصة لبحث حلول سريعة وعاجلة للوضع البيئي والصحي في محافظة البصرة، بما فيها مناقشة زيادة الطاقة الاستيعابية للمستشفيات ورفع عدد الطواقم الطبية المتخصصة، وفتح قنوات مع منظمات دولية وأممية لمناقشة الأزمة البيئية والحصول على الدعم والاستشارة منها، وبحث تخصيص مبالغ وبشكل عاجل لعلاج الحالات الحرجة التي تتطلب تدخلا جراحيا لرفع الأورام، خارج البلاد في الوقت الحالي أسوة بذوي السياسيين والمتنفذين في الحكومتين المحلية والاتحادية.
كما يطالب مرصد “أفاد”، بفتح تحقيق بشبهات بيع وتهريب الأدوية الخاصة بمرضى السرطان وسوء تعامل بعض العاملين في المستشفيات مع المرضى، ووقف المتاجرة بالأدوية الخاصة بالسرطان والوقوف على حقيقة تورط عاملين في العيادات الخاصة بهذا النوع من التجارة غير الإنسانية.

ويدعو مرصد “أفاد” إلى وقف تعامل وزارة الصحة مع الإعلام والمنظمات الحقوقية بروحية الخصم أو عدو والتعامل بشفافية فيما يتعلق بحجم الكارثة التي حلت بالمحافظة. كما يلفت إلى أن مدنا أخرى غير البصرة باتت على وشك نكبة أخرى في معدلات السرطان أبرزها في الفلوجة والموصل والمجر بمحافظة ميسان ومنطقتي جسر ديالى والشعلة شرقي وغربي العاصمة بغداد.

عن الكاتب

Kanans Kanans
editor

لايوجد تعليقات

أكتب تعليق

Skip to content