عائلات ضحايا الاختفاء القسري في العراق بانتظار العدالة

عائلات ضحايا الاختفاء القسري في العراق بانتظار العدالة

أنهت حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ولايتها الدستورية بإخفاق واضح في جملة من الملفات الإنسانية والحقوقية التي سبق وأن تعهدت في برنامجها مطلع مايو/ أيار العام الماضي أمام مجلس النواب، بالعمل على حلها وتقديم إجابات للعراقيين بشأنها، ومن أبرزها ملف المختطفين والمغيبين العراقيين على يد الجماعات المسلحة منذ عام 2014 مرورا بالعمليات العسكرية لطرد مسلحي تنظيم “داعش”، من مدن شمال وغربي البلاد، وانتهاءً بالناشطين المدنيين والمدونين جنوب ووسط العراق والعاصمة بغداد.

مما يثير الاستغراب هو مواصلة حكومة السيد مصطفى الكاظمي لغاية الآن اعتماد التوجيهات الصادرة عن مكتب رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي في 29/ نوفمبر 2019 لوزارات الداخلية والصحة والحكومات المحلية بالمحافظات، المتعلقة بحظر التصريح فيما يتعلق بأعداد المختطفين والمغيبين بالعراق وكل ما يتصل بها، إذ رفضت وزارتا الصحة والداخلية العراقيتان الرد على طلبات متكررة من القسم الحقوقي في مرصد “أفاد”، حيال عدد المختطفين التقريبي ومصيرهم وظروف احتجازهم والإجراءات الحكومية حيال الملف وأي تفاصيل أخرى متعلقة بها.

لقد كشفت إضافة البرلمان العراقي بنداً داخل موازنة العام الحالي 2021، تقضي بصرف مرتبات شهرية لذوي المختطفين والمغيبين في المحافظات العراقية كمساعدات لهم لحين البت بأوضاعهم، كشفت عن أرقام مفزعة أكدها مسؤولان في جهاز الأمن الوطني العراقي ببغداد، تتحدث عن أكثر من 16 ألف عراقي تم تغييبهم على يد جماعات مسلحة ممولة حكومياً، بدوافع طائفية وانتقامية.

وتُتهم جماعات “كتائب حزب الله”، و”عصائب أهل الحق”، و”النجباء”، و”بدر”، و”سيد الشهداء”، و”جند الإمام”، والخراساني”، و”الطفوف”، وسرايا عاشوراء”، إضافة إلى فصائل أخرى، من ذوي كثير من الضحايا بتنفيذ عمليات خطف واسعة للمدنيين في مناطق انتشارها وسيطرتها. ووثقت بعضها بمشاهد مصورة بُث بعضها على منصات التواصل الاجتماعي، لأفراد من تلك الجماعات تُظهر عمليات فصل الرجال عن أسرهم واقتيادهم على شكل طوابير لأماكن مجهولة بين عامي 2014 و2016، واختفوا ولم يظهروا منذ ذلك الوقت. وتتصدر مناطق الصقلاوية وبزيبز والرزازة والرطبة وجرف الصخر والگرمة وذراع دجلة وبيجي وتكريت والدور والإسحاقي وبادوش وحمام العليل والشرقاط والرياض كأعلى المدن المنكوبة في عدد المختطفين من الرجال على يد تلك الجماعات.

وكشف مسؤول رفيع في جهاز الأمن الوطني العراقي ببغداد، لمرصد “أفاد”، أن جزءا كبيرا من محاضر التحقيق بعمليات الخطف التي تتضمن أدلة وإفادات عن عمليات اختطاف جماعية لرجال وصبيان بمناطق انتشار فصائل مسلحة تعمل ضمن “الحشد الشعبي”، إضافة إلى إعدامات ميدانية وانتهاكات إنسانية في مناطق انتشارها، موجودة لدى القضاء ووزارة الداخلية من بينها الأمر الوزاري برقم 1229/س بتاريخ 5/6/2016، (مكتب وزير الداخلية) ومذكرة جهاز الادعاء العام رقم 99 بتاريخ 14/3/2017، ومذكرة وزارة الداخلية/ مديرية الاستخبارات في 1/7/ 2018 المتعلقة بتأكيد واقعات خطف جماعية لمدنيين فارين من المعارك جرى اقتيادهم بشكل جماعي إلى أماكن مجهولة، ويظهر محضر تحقيق يؤكد مصداقية 3 مقاطع فيديو عُثر عليها في هاتف أحد أفراد الشرطة الاتحادية في الفرقة الخامسة، قال إنه حصل عليها من أفراد يعملون كمنتسبين في “الحشد الشعبي”.

ويُتهم القضاء العراقي بعدم الجدية في حسم قضايا آلاف المختطفين والمغيبين كما أنه يتعرض لانتقادات متكررة بالمماطلة في فتح تحقيق عادل وشفاف لإنصاف الضحايا وذويهم ومعاقبة المجرمين. وتوجه منظمات دولية انتقادات إلى وزارة الداخلية وهيئة الحشد الشعبي ومديرية استخبارات وزارة الدفاع بالتستر على المتورطين عبر تجميد محاضر التحقيق الخاص بواقعات الاختطاف.

ورغم أن السلطات العراقية لم تفِ لغاية الآن بتنفيذ قرار البرلمان بصرف مرتبات إعانة شهرية لذوي الضحايا المختطفين بسبب الإجراءات المطولة التي عادة ما تقع النساء ضحيتها أمام أبواب الدوائر الحكومية، إلا أن الخطوة كشفت عن أعداد كبيرة لضحايا الاختطاف والتغييب التي تتورط بها مليشيات نافذة بالبلاد، وهي أرقام مرشحة للارتفاع.

غير بعيد عنها ما زال أكثر من 20 ناشطا وصحافيا ومدونا عراقيا في مدن جنوب ووسط العراق وبغداد مغيبين منذ أشهر طويلة بدون تحرك حكومي حقيقي عادل، ويستذكر مرصد “أفاد”، كلا من الناشر والصحفي مازن لطيف، وصحافي التحقيقات الاستقصائية توفيق التميمي، وكلا من الناشطين عبد المسيح روميو سركيس، وحيدر البابلي، وعلي ساجت، والمحامي علي جاسب، وسجاد العراقي، إلى جانب آخرين في البصرة وميسان وبابل، دون نسيان آخرين سبقوهم اختُطِفوا مثل جلال الشحماني وفرج البدري.

وفي الوقت الذي يحذر فيه مرصد “أفاد”، من مغبة التعامل مع ضحايا الاختطاف تحت إطار قانون ضحايا العمليات الإرهابية، والأخطاء العسكرية، بما يسمح للجناة بالإفلات مستقبلا من العقاب والخضوع للعدالة، فإنه يُطالب بتشكيل محكمة خاصة لإنصاف آلاف الضحايا الذين جرى تغييبهم والكشف عن المتورطين، وعلى البرلمان المقبل التوجه لإعداد قانون متعلق بهم على غرار قانون العراقيين الأيزيديين الذين تعرضوا للخطف على يد إرهابــــــيي تنظيم “داعش”، شمالي البلاد والذي أقره العراق رسميا منتصف العام الحالي.

يرى مرصد “أفاد”، أن المسؤولية القانونية والأخلاقية تقع على عاتق رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان ورئيس الادعاء العام القاضي نجم عبد الله أحمد، في هذا الملف تحديدا وإثبات سلامة القضاء وعدم خضوعه لأي ضغوط، وعليه فإنه ينتظر من كلا الطرفين بصفتهما الدستورية إنفاذ العدالة لا أكثر.

عن الكاتب

Kanans Kanans
editor

لايوجد تعليقات

أكتب تعليق

Skip to content