وفيات متواصلة في سجن الناصرية .. وتجميع للجثث في دائرة الطب العدلي

في الرابع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، سلّمت دائرة الطب العدلي في مدينة الناصرية حيث يوجد واحد من أكثر السجون العراقية سوءا والمعروف بـ”سجن الحوت”، سلمت 12 جثة لنزلاء قضوا داخل زنازينهم تحت ظروف مشكوك فيها، إلى ذويهم . وخلال التقصي والبحث من قبل “مرصد أفاد” عن هويات الضحايا الذين قضوا في السجن في الشهر الماضي ارتفع عدد الجثث التي أودعت دائرة الطب العدلي في المدينة والقادمة من سجن الناصرية إلى 27 جثة، تعود بالمجمل لمواطنين عراقيين.

بالوقت الذي يعرب مرصد “أفاد” عن صدمته إزاء الأعداد المتصاعدة للوفيات داخل سجن الحوت، والتي ينطوي كثير منها على شبهات القتل العمد للضحايا، فإنه يجدد مطالبته بفتح تحقيق موسع من قبل الادعاء العام والقضاء العراقي للوقوف على حقيقة ما يحصل داخل السجن من انتهاكات ومخالفات إنسانية وقانونية جسيمة، مع تحميل حكومة السيد مصطفى الكاظمي المسؤولية الأخلاقية والقانونية لاستمرار تجاهلها المتواصل لسلسلة الانتهاكات والجرائم المتصاعدة في السجون منذ توليه رئاسة الحكومة الجديدة مطلع أيار/ مايو العام الماضي.

وأجرى القسم الحقوقي في مرصد “أفاد”، زيارة إلى مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، فضلاً عن وصوله إلى عناوين عدد من ذوي الضحايا في محافظات بغداد وديالى والأنبار بشأن هذه القضية وحصل على معلومات خطيرة بشأنها. وتحدث معاون طبي في دائرة الطب العدلي بمحافظة ذي قار للمرصد، عن تسليم جثث بشكل شبه يومي، بسيارات السجن إلى ثلاجة الطب العدلي مع شهادات مُعدة مسبقاً من قبل إدارة السجن تتضمن سبب الوفاة، دون أن تتم أي إجراءات للفحص والمعاينة العدلية لمعرفة سبب الوفاة، بحسب السياقات المتبعة.

وأضاف المعاون الطبي أن يوم السابع والعشرين من نوفمبر الموافق ليوم السبت -وهو يوم عطلة رسمية في العراق- تسلم الطب العدلي ثلاث جثث لنزلاء وأودعهم الثلاجة دون فحص، واكتفى بإفادة إدارة السجن المدونة على ورقة الوفاة، مؤكدا أن بعض جثث الضحايا تتأخر بالوصول إلى الثلاجة المخصصة للموتى بعد تسجيل وفاتهم داخل السجن. كما يصل بعضهم وقد بدت عليه علامات الانتفاخ التي تُغير من معالم الجثة وتُصّعب معاينتها، بالإضافة إلى جثث عليها أثار طعن وضرب أو علامات نزيف داخلي من الأنف والأذن أو كسور ورضوض، واستعمل الموظف في شهادته إزاء هذا الانتهاك التعبير العراقي الدارج “يجون مكتولين” يقصد أنهم تعرضوا للتعذيب. وأشار المصدر الطبي إلى مكتب لخدمة الاستنساخ والإنترنت قريب من مستشفى الناصرية التعليمي على صلة بموظفين في إدارة السجن، يتكفل بمهمة تسليم ذوي الضحايا لأبنائهم مقابل مبالغ مالية، هي في الحقيقة “رشوة” لقاء تمكين الأهالي من أخذ جثمان ابنهم بورقة رسمية تسمح لهم المرور من نقاط التفتيش الأمنية. ونفى المصدر وجود توجه جديد من إدارة دائرة الطب العدلي في الناصرية لتسليم الضحايا على شكل “دفعات”.

والملفت للنظر أن من بين 12 ضحية قضوا في السجن يتبين أن 7 منهم تبقى لإطلاق سراحهم بضعة أشهر، وهذا أمر خطير تكرر مع ضحايا آخرين قضوا بظروف غامضة ومشكوك بها، وأكد اثنان من ذوي الضحايا في مقابلات مع “مرصد أفاد”، بأن أبناءهم كانوا بصحة جيدة وفرحين لقرب إطلاق سراحهم، لكنهم تفاجأوا باتصال هاتفي يبلغهم بالقدوم إلى الناصرية لتسلم جثمان ابنهم بعد وفاته. وقال حاتم جاسم حسين من أهالي محافظة بغداد إن شقيقه (محمد) 39 عاما معتقل منذ عام 2007 على يد القوات الأميركية بتهمة الاشتراك في مهاجمة القوات الأميركية، وكان في سجن المطار قبل أن يتم تحويله إلى عهدة السلطات العراقية ومحاكمته وفق قانون مكافحة الإرهاب، حيث أودع في سجن الحوت لاحقا، وكان من المقرر أن يتم إطلاق سراحه نهاية شهر شباط فبراير المقبل، وكان سعيدا في آخر زيارة له بقرب إطلاق سراحه ومتشوقا لرؤية والدته المقعدة والتي تعذر وصولها للسجن لزيارته

إلا أنهم صدموا باتصال هاتفي لم يستمر أكثر من 15 ثانية بالسؤال “هل أنتم أهل محمد”؟ وعند الإجابة بنعم، رد بالقول “تعالوا استلموا جثة ابنكم بالطب العدلي بالناصرية”، مؤكدا تعرض شقيقه لضرب لم تخفيه عدة أيام من الوفاة قبل إبلاغهم بالمجيئ لتسلمه. فيما ذكر شخص آخر من سكان بلدة شرقي محافظة الأنبار، طلب عدم ذكر اسمه لدواع أمنية، أنه رأى آثار طعنات على جسد ابنه قبل دفنه، بينما كتب في شهادة الوفاة أنه فشل كلوي، رغم أن ابنه لم يسبق له الشكوى من الكلى أو أي مرض آخر، بحسب روايته. كما سجل المرصد شهادات من ذوي ضحايا آخرين في مناطق مشروع حي الوحدة والجعارة والطارمية وعرب جبور والبوعيثة القريبة من العاصمة بغداد قضوا أيضا داخل السجن في أوقات متفاوتة وتم تسليم عدد منهم في يوم 24 من الشهر المنصرم. وقال أحدهم إنهم تسلموا جثة ابنهم بعد 18 يوما من وفاته وكانت في الطب العدلي بظروف غير آدمية.
فيما ذكر قريب للضحية قيس راضي محمد عبد الدليمي من مواليد 1980، واعتقل عام 2011 من منزله، أنه دفن وكانت علامات الطعن واضحة في جثمانه، إضافة إلى كسر في الفخذ. فيما أشار آخر من أقرباء الضحية أسامة حميد رشيد فارس التميمي من مواليد 1987، أنه اعتقل عام 2008 وكان عمره 20 سنة، ووصل جثمانه مع ثقوب في منطقة الرأس، مع ملاحظة أن علامات التعذيب في الشهادات أعلاه لم تكتب في شهادة الوفاة حتى الآن، وكتب بدلاً عنها مصطلح “في انتظار نتيجة الفحص” ولم تظهر منذ شهر، ويبدو أنه أسلوب معتمد من دائرة الطب العدلي في الناصرية.

وإذ تبدو الانتهاكات والإهمال بهذا الشكل المريع فإن “مرصد أفاد” يطالب السلطات القضائية في العراق بالتحقيق بما يمكن اعتباره جرائم قتل ممنهجة وانتهاكات إنسانية مروعة تحصل داخل سجن الحوت، في ظل اتهامات بتواطؤ عدة دوائر في الطب العدلي بمدينة الناصرية، ويحمل المرصد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مسؤولية الانتهاكات المروعة في سجون وزارة العدل ومراكز التحقيق. ويؤكد المرصد أن لذوي الضحايا الحق في مقاضاة كل المتورطين بتلك الجرائم بغض النظر عن الفترة الزمنية التي سيبقون فيها خارج دائرة العدالة.

عن الكاتب

Kanans Kanans
editor

لايوجد تعليقات

أكتب تعليق

Skip to content