سنجار .. فراغ أمني وانتهاكات إنسانية

سنجار .. فراغ أمني وانتهاكات إنسانية

يعيش قضاء سنجار “المتنازع عليه”، والواقع 115 كيلو مترا غربي الموصل ضمن محافظة نينوى شمالي العراق، يعيش حالة من التشتت الأمني والسياسي والإداري، آخرها المواجهات بين قوات الجيش العراقي ومقاتلي وحدات حماية إزيدخان (وحدات حماية سنجار) التابع لحزب العمال الكوردستاني في منطقة مفرق “دوو كري” في ناحية سنوني.

وتواصل مرصد “أفاد”، على مدى الأشهر الماضية، مع جهات مدنية وأخرى حقوقية ومحلية في المدينة والمناطق المحيطة بها، تطالب بتسليط الضوء على جانب من الآثار المترتبة على الفوضى التي خلفتها المليشيات المرتبطة بمنظمة “حزب العمال الكردستاني”، التركية التي تتواجد داخل الأراضي العراقية بشكل غير مشروع وتمارس أنشطة مخالفة للقوانين والدستور العراقي النافذ بالبلاد، بتعاون مشترك ثلاثي مع فصائل تابعة للحشد الشعبي ومسلحي قوات سوريا الديمقراطية المعروفة باسم “قسد” الحاكمة في مدن عدة شرقي سوريا.

وتروي شهادات للمرصد أن “البككة” تمنع عودة الحياة المدنية والاندماج بين مكونات هذه المدينة، ويتهم الحزب بفرض أجنداته العسكرية وخياراته السياسية، وسط اتهامات بتلقي الحزب تمويلاً إيرانياً عن طريق فصائل الحشد الشعبي لدعمها في الصراع العسكري التاريخي مع تركيا.

ويتصدر عناصر مليشيات “وحدات حماية سنجار”، و”إيزيدي خان”، المرتبطتين بحزب العمال الكردستاني، قائمة الانتهاكات في المدينة، تمثلت بعمليات ابتزاز وخطف واعتداء واستيلاء على الممتلكات والمنازل والعقارات التابعة للعرب والكرد المؤيدين للحزب الديموقراطي الكردستاني أو المعارضين لتواجد هذه المليشيات، عدا عن جرائم تهريب أسلحة وأدوية ووقود ومخدرات عبر الحدود القريبة من سوريا إلى داخل العراق، إذ يسيطر حزب العمال على مناطق غربي الموصل في قضاء سنجار وناحية سنوني، فضلاً عن ناحية القحطانية التابعة لقضاء البعاج، وصولاً إلى الطريق الرابط مع سوريا، ويتحكم بآلية صنع القرار فيها، وتنصيب مديري الدوائر والمؤسسات.
فضلًا عن منعهم عودة النازحين إلى ديارهم، بشكل انتقائي، وأبرزهم عشائر شمر والجحيش والمتيوت والخاتونيين، ناهيك عن منع دخول القوات العراقية النظامية ممثلة بالفرقة 20 من الجيش العراقي وتنفيذ اعتداءات ضد تشكيلاتها العسكرية.

وتعثرت حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في تنفيذ اتفاقية “تطبيع الأوضاع في مدينة سنجار”، الموقعة مع الحكومة المحلية في إقليم كردستان مطلع أكتوبر 2020، بسبب الانتشار الواسع لمسلحي حزب العمال ورفضهم الانسحاب من المدينة.

وقال مسؤول في المجلس المحلي المؤقت لمدينة سنجار لمرصد “أفاد”، إنه تم تسجيل أكثر من 80 حالة نزوح عكسي خلال شهر مارس الماضي عن المدينة التي ما زالت وفقا لقرار البرلمان العراقي نهاية نيسان/ يناير 2014 ضمن إطار المناطق المنكوبة، لكن الحكومات المتعاقبة لم تفعّل أي من بنود أو متطلبات هذا التصنيف لغاية الآن. مشيراً إلى أن هذه الأسر التي عادت بين عامي 2020 و2021، قررت ترك المدينة مجدداً بسبب مضايقات وانتهاكات لمليشيات مدعومة من حزب العمال الكردستاني. عدا ذلك فإن مسلحي الحزب يبتزون الميسورين وأصحاب المحال التجارية بفرض إتاوات عليهم، وآخرين يخضعون لضغوط من أجل تصريف بضائع يجري تهريبها عبر الأنفاق بشكل غير قانوني.

وأكد أن مسلحي الحزب افتتحوا مؤخرا سجنا لهم بلدة سنوني هو الثالث من نوعه يجري فيه إيداع من يتم اعتقاله والتحقيق معه ويخضع السجن لممارسات وحشية وغير إنسانية بحق مواطنين عراقيين، أودت بوفاة معتقل عراقي من أهالي سنجار تحت التعذيب، كانت الميليشيات قد اتهمته بالتخابر مع جهات معادية لها، مشيراً إلى وجود سجون للنساء والرجال في قرية بارا التابعة لناحية الشمال (سنوني) ويقارب أعداد السجناء 150 سجيناً.
ويُتهم المسؤول المحلي القيادي في هيئة “الحشد الشعبي”، ببغداد، عبد العزيز المحمداوي بتوفير غطاء لممارسات غير قانونية لفصائل غير عراقية في سنجار، في إشارة الى مسلحي حزب العمال الكردستاني الذي قال إنهم استقدموا أخيرا مكائن حفر أنفاق من داخل الأراضي السورية لتشييد المزيد من التحصينات الخاصة بهم في جبل سنجار وخان صور غربي المدينة.
وتبرز أسماء عدد من المتورطين بانتهاكات أمنية وإنسانية خطيرة في سنجار من بينهم عماد قائدي، وخضر أيزيدي، وخديدا كوجو، وشريف خانصوري، وحسين سنجاري، والخال علي، ضمن مليشيات وحدات حماية سنجار وأيزيدي خان، بحق سكان المدينة، والتحريض على ضرب وحدات الجيش العراقي بقناني المولتوف، وإنزال الأعلام العراقية من الساحات العامة في المدينة وحرق بعضها.

وقد حصل مرصد “أفاد” على معلومات تفيد أن عناصر الـ PKK في شمال العراق، بحدود 5000 عنصر، بينهم 260 عنصراً يتبعون الحشد الشعبي في سنجار ويتقاضون رواتب من الحكومة العراقية، أُقرت زمن رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، بينما يستلم باقي العناصر رواتبهم من حزب العمال الكردستاني.

حتى إن الحزب يضم أفراداً سابقين من مقاتلي تنظيم داعش، معظمهم سوريون وعراقيون من قرى حدودية في البلدين، غيّروا ولاءهم فور سقوط التنظيم وانسحابه، عام 2017، مستغلين حاجة الحزب لخبرتهم في خبايا الطرق على جانبي الحدود.

كما لفت الانتباه شهادات وصلت مرصد “أفاد”، عن وجود عمليات تجنيد واسعة للأطفال، يتم تدريبهم في جبل سنجار في معسكر (باب الشلو)، بأعداد تصل إلى 240 طفلاً. وقال مواطن أيزيدي عراقي من سكان المدينة فضل الإشارة إلى اسمه بـ “ع. ب “، قائلا إن عناصر حزب العمال استدرجوا ابنه البالغ من العمر 14 عاما والذي كان يعمل في قطع الخشب قرب جبل سنجار، ورغم رفضه لانضمام ابنه، قدمت قوة من الحزب لاحقاً واعتقلته وابنه أيضاً، ثم فصلوا الوالد عن ابنه، الذي عاد واتصل بأبيه بعد حوالي ثلاثة أشهر وهو يبكي، ليبلغه أنه في جبال قنديل في إحدى النقاط العسكرية، وهو يتمنى العودة للمنزل بسبب سوء المعاملة وصعوبة الأمر في سنّه.

فيما تؤكد سيدة من بلدة سنوني ترمز لنفسها بـ “ف. خ”، أن لديها ثلاثة بنات أصغرهن تبلغ من العمر 15 عاماً، وفي الصيف الماضي كانت عناصر نسائية من منظمة حزب العمال الكردستاني يدخلون المنازل لتثقيف العوائل على نهج وأفكار الحزب، ومن خلال حديثهم مع بناتها أقنعوا البنت الصغرى بالانضمام لهم، ثم نقلت سراً دون علم أهلها إلى جبال قنديل، وسط تهديدات لذويها بالقتل إذا طالبوا بابنتهم.
يندد مرصد “أفاد” بعمليات تجنيد الأطفال، كما يطالب اللجنة المكلفة بالكشف عن المقابر الجماعية بالعاصمة بغداد، التدقيق بمعلومات عن وجود مقابر ضحاياها من أهالي القرى العربية المحيطة بسنجار، تم إعدامهم بين عامي 2016 و2017 من قبل مليشيات مرتبطة بحزب العمال، بدوافع انتقامية وعنصرية، وأبرزها قرية (عين الغزال)، إحداها لسكان عائدين لمنازلهم وتحديدا منتصف شهر ديسمبر عام 2017، بينهم نساء وأطفال من عشائر المتيوت والجحيش تحديداً.

وبالوقت الذي يحمل فيه مرصد “أفاد”، الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان مسؤولية بقاء الأوضاع على هذا الحال، فإنه يحذر من موجات نزوح واتساع الجرائم بحال لم تطلق يد الجيش العراقي لبسط القانون والأمن بالمدينة وإنهاء كل التشكيلات غير الخاضعة للسيادة العراقية. كما يشدد المرصد على ضرورة إرجاع النازحين والمهجرين من كل المكونات وتوفير سبل العيش الكريم للجميع بما يضمن عودة الاستقرار والتنمية لجميع أهلها.

عن الكاتب

Kanans Kanans
editor

لايوجد تعليقات

أكتب تعليق

Skip to content