سجن الكرخ … تضييق وابتزاز ومعاملة لا إنسانية
قال ذوو المعتقل طارق عبد الله محمد جاسم الجبوري من ناحية اليوسفية /كراغول جنوب العاصمة بغداد، إن ابنهم توفي قبل ثلاثة أسابيع في سجن الكرخ المركزي قرب مطار بغداد، بعد معاناة نحو شهرين من ضيق بالتنفس وسعال حاد، رافقها رفْضُ لجنة الطبابة في السجن تحويله إلى طبيب مختص، ما اضطره إلى الامتناع عن الأكل والشرب كنوع من الاحتجاج حتى أدى إلى وفاته دون أي اهتمام من إدارة السجن.
ووردت إلى مرصد “أفاد” شهادات جديدة خلال الشهرين الماضيين من عشرات الأشخاص -وبعضهم داخل السجون- تؤكد استمرار ظاهرة الإهمال الصحي وسوء المعاملة في السجون العراقية الحكومية التابعة لوزارتي العدل والداخلية، رغم عشرات التقارير الحقوقية للمنظمات الدولية والمحلية التي أشارت إلى فظاعة الانتهاكات الإنسانية لحقوق السجناء وخصوصا في سجون الكرخ في المطار والتاجي شمال بغداد والحوت في مدينة الناصرية جنوب العراق، إذ تتشابه تقريباً سمعة هذه السجون سيئة الصيت من حيث التضييق على السجناء وابتزازهم ومنعهم من حقوقهم الأساسية، من بداية الاعتقالات بالوشايات الكيدية وصولاً إلى معاناة السنين الطوال تحت إدارات تفتقر لحسن السيرة والسلوك.
ويضم سجن الكرخ قرابة 6000 نزيل، ما يعني ضعف عدد السجناء المقرر له، إذ تبلغ سعة السجن الأصلية 3000 فقط، يتوزعون على 5 قواطع، يضم القاطع الأول منها 4 أقسام وهي (ألفا / برافو/ تشارلي/ ودلتا)، وكل منها يحتوي على عدد من القاعات وفي كل قاعه زنزانتان تحتوي كل زنزانة على 50 نزيلاً في الوقت الذي تم تصميمها لما لا يزيد عن 30 نزيلاً.
وبحسب روايتين مسجلتين وردت إلى المرصد فإن بقية القواطع تتفاوت من حيث عدد الأقسام والقاعات والزنازين، لكن القاطع الثالث منها مخصص للأمراض المعدية والخبيثة، وفيها يتم عزل السجناء فقط دون أي علاج، كما أن القاطع الخامس فيه قسمان للمحاجر وهي مخصصة للعقوبات وفيه 100 نزيل تقريبا حالياً.
أما من جهة التعامل الشخصي فالنزلاء ضحية لصفقات تجارية بين إدارة السجن وضباط يمثلون إدارات الأمن الوطني والمخابرات المسؤولة عن التحقيقات، فضلاً عن قوة الرد السريع المسؤولة عن حماية السجن، وهؤلاء الضباط يتفاوضون فيما بينهم على كمية المواد الغذائية وحجم الاقتطاعات (غير القانونية) ونوع الأدوية الطبية والمنظفات الصحية، بجانب طرق التعامل الطائفي مع السجناء الذي يجبرهم على دفع الإتاوات، فإدارة السجن تريد من كل نزيل 5000 آلاف دينار شهرياً مقابل وقف التعامل بطائفية ودون مضايقات وإهانات، ناهيك عن صرف الأغذية المقررة وأدوية الأمراض المزمنة.
أما لجان الأمن الوطني والمخابرات وقوة الرد السريع فيلجأون إلى نقل المعتقلين الممتنعين عن دفع الحصص المالية الشهرية إلى سجون (الناصرية والكفل والبصرة جنوب العراق) بكتابة وشايات كاذبة تدفع الجهات العليا الأمنية والقضائية إلى الموافقة على إبعادهم، أو إتلاف المساعدات العينية من الأهالي أو حتى الحصص الطبيعية المخصصة من الوزارة للنزلاء.
وقالت شهادات متقاطعة موثقة لمرصد “أفاد” أن مدير الطوارئ حسين العقابي المسؤول في سرايا السلام التابعة للتيار الصدري هو أكثر المسؤولين وحشية وطائفية في سجن الكرخ. من حيث الطبابة أشار السجناء إلى انعدام تحليلات الدم والأشعة وأجهزة الأوكسجين ناهيك عن الأجهزة الطبية الأساسية، ويفتقر سجن الكرخ حتى لوجود عربة حمل السجناء المرضى عند الحالات الطارئة، بجانب وقف تحويل الحالات الطارئة والمستعجلة للمستشفيات الخارجية، وهذا بدوره ساهم بزيادة حالات مرضى التدرن والأمراض الجلدية والتهاب الكبد الفيروسي، وتفشي فايروس كورونا في العامين الماضيين.
على الجانب الإداري، رفعت إدارة السجن عن كاهلها أي مسؤولية تجاه السجناء وحقوقهم الأساسية، إذ يضطر السجناء لدفع الأموال لتشغيل مضخة الماء وكانت آخرها دفع مبلغ 75 مليون دينار قبل فترة وجيزة، ليأتي بعدها وزير العدل سالار عبد الستار ليفتتحها ويعدها إنجازاً لوزارته المتهمة بالفساد، كما يتكفل السجناء بشراء أجهزة التبريد وصيانتها ناهيك عن دفع 1000 دولار رشوة لمدير السجن مقابل السماح باستبدال جهاز تبريد جديد، وينطبق الحال على ترميم توصيلات المجاري والصرف الصحي التي تفيض نجاساتها أحيانا على قاعات السجناء.
وتتعدى المعاناة إلى محاربة السجناء برفع أسعار المواد الغذائية في الحانوت الداخلي بثلاثة أضعاف السعر الطبيعي، وتتوزع مبالغ هذه الزيادات بين المنتسبين والضباط.
وتحدثت شهادات مؤلمة للمرصد من بعض ذوي السجناء عن قضية المواجهات العائلية، التي لا تتم دون دفع مبالغ ثابتة، ويتم كذلك بيع الموبايل (نوكيا 3310 المتواضع) بمليون دينار لإجراء مكالمة مع الأهل، ثم تتم مصادرته بعد أسبوع بعملية تفتيش معدة سلفاً ومقصودة، وهذه القضية مرتبطة بملف الابتزاز ودفع الإتاوات، اللتين تشكلان جزءاً من محاولات افتداء السجناء أنفسهم من التعذيب والمعاملة المسيسة وانتهاكات حقوق الإنسان المنهجية داخل السجون العراقية.
وأشارت المعلومات إلى أن التلفيق المأساوي وصل حد خلط السجناء السنة مع الشيعة لزيادة منسوب الاصطدامات والمناوشات الشخصية والمناطقية التي تفتعلها بعض إدارات الأقسام، كنوع جديد من الابتزاز تجاه بعض السجناء ميسوري الحال بغية تخليصهم من المشاحنات المفتعلة وإعادتهم إلى الزنازين الأصلية، إذ تبلغ كلفة إعادة السجين إلى زنزانته الأولى 100 ألف دينار.
وإذ يبدو السياق من سيء إلى أسوأ من حيث زيادة معدل الوفيات في السجون العراقية السالفة الذكر، وتجاهل وزارتي العدل والداخلية السجل السيء لإداراتها دون أي مراجعات حقيقية لتقارير المنظمات الدولية والمحلية وشكاوى السجناء وذويهم وانعدام المحاسبة والرقابة، فإن مرصد “أفاد” يجدد الدعوة للحكومة العراقية ورئيس الوزراء لإيلاء هذه الشكاوى اهتماماً يناسب حجم المعاناة دون التملص بذريعة المفاوضات السياسية ونتائج تشكيل الحكومة، كما يدعو الجهات القضائية لإرسال فرق تفتيشية للتحقق من السجناء أنفسهم عن دقة هذه الدعاوى ومحاسبة الإدارات المسيئة.
لايوجد تعليقات